لنبدأ أولا بظروف المباراة ومجرياتها اللتين لا يختلف حولهما اثنان.

    خلال موسم 1942-1943، وضمن إطار نصف نهائي كأس الجنرال (كأس ملك إسبانيا تحت المسمى الحالي)، تأهل قطبا إسبانيا للتنافس على بطاقة العبور نحو نهائي البطولة. ما سجلته صحائف التاريخ، أن البارسا استطاع خلال مباراة الذهاب على ملعبه "ليس كورتيس" الفوز بنتيجة 3-0، جعلت الفريق الكتالوني الأقرب للوصول إلى النهائي. لكن خلال مباراة الإياب، حدث ما لم يكن في الحسبان، واستطاع ريال مدريد قلب الطاولة تماما على البارسا، ويفوز عليه بأكبر نتيجة شهدها تاريخ الكلاسيكو. وهنا وقع الخلاف وتشابكت الآراء.

    الحقيقة أنه خلال محاولتي لجمع بعض من الحقائق حول هذه المباراة، وجدت روايات عديدة كل واحدة تختلف عن الأخرى تماما. فمن صفوف النادي الكتالوني، نرى تضاربا في الآراء حول نتيجة المباراة بعد نهاية الشوط الأول، بعض المصادر تحدثت عن التعادل السلبي كنتيجة للشوط الأول، ثم بتدخل من نظام فرانكو الحاكم، دخلت الشرطة لغرفة ملابس الفريق الأزرق والأحمر مهددة ومتوعدة بالحجز وإنزال أقصى العقوبات على اللاعبين وعائلاتهم، إن هم لم يتنازلوا عن الفوز بنتيجة ثقيلة لصالح الفريق الملكي، في حين أن مصادر أخرى أبقت على نفس الرواية، ماعدا تغيير بسيط في نتيجة المباراة بعد الشوط الأول، حيث ادعت أن البارسا عاد إلى غرفة الملابس متقدما بنتيجة 1-0.

    أما صحيفة الموندو ديبورتيفو (المعروفة بتحيزها لنادي برشلونة) أكدت خلال عددها الذي صدر بعد المباراة، أن البارسا انهار خلال الشوط الأول من المباراة، مما سمح لريال مدريد بالفوز بهذه الحصة العريضة، نفس الصحيفة لم تشر إلى أي أحداث مريبة حدثت خلال المباراة، معتبرة فوز ريال مدريد كان عن جدارة واستحقاق.

 المصادر المدريدية كذلك، تنفي أي تدخل للنظام الإسباني في نتيجة هذه المباراة. فادعاءات البرشلونيين أن الريال لم يحقق انتصاره إلا بفضل فرانكو (المعروف بتشجيعه لريال مدريد) لا أساس لها من الصحة. الريال خلال حقبة الجنرال لم يحقق أي شيء يذكر. فخلال أربعينيات القرن الماضي، كان برشلونة رفقة أتلتيك بيلباو المهيمنان على بطولة كأس الجنرال، ولم يحققها النادي الملكي إلا في سنوات قليلة جدا مقارنتا مع الفريق الكتالوني والفريق الباسكي. إضافة لذلك، طرحت المصادر المدريدية سؤال وجيها يقول: لو تدخل فعلا فرانكو في نتيجة المباراة، لماذا لم يتدخل أيضا في نتيجة نهائي تلك المسابقة ويمنح الفوز لريال مدريد؟ علما أن الفريق الأبيض خسر اللقب لصالح نادي بيلباو.

 

    المصادر البرشلونية، لها حظ من القول كذلك. فردا على من يدعي أن صحيفة الموندو ديبورتيفو اعتبرت نتيجة المباراة كانت مستحقة للنادي الملكي، علق البعض قائلا أن الإعلام الكتالوني بشكل عام كان مضطهدا من قبل النظام الديكتاتوري، ولم يكن بإمكان الصحيفة الكتالونية أن تنشر أي خبر يعلن عما جرى فعلا وإلا سيكون الرد قاسيا من نظام فرانكو على الصحيفة. وهذا ما أتى به فرانسيسكو باكو أحد صحفيي الموندو ديبورتيفو، حينما نشر مقالة سنة 1998 بمناسبة مرور 100 سنة على تأسيس البارسا قائلا أن الشرطة الإسبانية تدخلت فعلا وكان له أثر في تحويل المباراة لصالح النادي الملكي بهذه النتيجة الثقيلة.

    نختم بشهادة لواحد ممن كان في الملعب خلال الواقعة، الظهير الأيسر السابق لنادي برشلونة "جوسيب فالي" شارك في ذلك اللقاء. وبعد مرور أكثر من نصف قرن على الحادثة، صرح لأحد البرامج الإسبانية قبل سنوات قليلة معطيا أهم تفاصيل هذه المباراة المثيرة للجدل.

    " لقد لعبت الكثير من المباريات ضد ريال مدريد، خلال 9 سنوات قضيتها مع برشلونة، لكنني أذكر مباراة كأس الجنرال سنة 1943، حينما خسرنا بنتيجة 11-1. أذكر أننا وصلنا لملعب ريال مدريد ودخلنا لتفقده، هناك قابلنا بعض عمال الصيانة بالملعب وقالوا لنا: سنفوز عليكم اليوم، وبنتيجة ساحقة. توجهنا لغرفة الملابس لتجهيز أنفسنا، حكم المباراة، وهو شخص لم نسمع به قبل ذلك اليوم، كان يدعى سيليستينو غونزاليس، قام باستدعاء قائد فريقنا وهدده آمرا منه أن يحسن التصرف خلال المباراة وإلا سيقع ما لا يحمد عقباه. حينما بدأنا المباراة، لم نتمكن من عبور منتصف الملعب، ففي كل مرة نفعل ذلك كان الحكم الثاني يرفع رايته بشكل غريب. ثم تمكن لاعب برشلونة سوسبيدرا من إحراز هدف للبارسا لم يحتسبه الحكم رغم شرعيته. كنا نملك لاعبي دفاع أحدهما تورتا غادر المباراة بسبب الإصابة، وآخر إسمه بينيتو طرد من اللقاء. في غرفة الملابس مابين الشوطين، قررنا ألا نواصل المباراة بسبب هذا الحكم المنحاز. فجأة، دخل رئيس شرطة مدريد وسألنا: ألن تلعبوا؟ أجبناه بالرفض، فقام بتهديدنا باحتجازنا إن نحن لم نكمل المباراة. أذكر أحد الصحافيين كان يدعى "سامارانش" علق على هذه النازلة معتبرا أن بعد هذا التدخل من شرطة مدريد، كان على النتيجة أن تكون خمسين هدفا بدل 11 فقط. هل تدرون ماذا حدث لهذا الصحافي؟ لقد تم سحب البطاقة الصحفية منه. رغم أن هذه المباراة قد كانت منذ وقت طويل، إلا أنني لازلت أذكرها جيدا".
    مابين هذه المباراة واليوم زمن طويل، وكل لا يزال يتحدث عن الأمر من زاويته فقط. و يبقى تقريب الوقائع للمتابع وسماعه للرأي الآخر هو السبيل الوحيد للتخلي عن النظرة التعصبية والاقتراب أكثر من تفاصيل تاريخ لم يكشف عنه كل الغطاء.