محمد عوض، اسم لمع نجمه في سماء كرة القدم الأردنية لاعباً ومدرباً، أفنى سنوات عمره عاشقاً لمستديرة أخذت من وقته كل وقته.
 
نحت بالصخر بلا تعب أو كلل في سبيل وضع المنتخب الأردني ضمن قائمة الأبطال، رغم أن كرة القدم الأردنية في عهده كانت تعيش البؤس واليأس، لكنه بفطنته وحنكته التدريبية صنع من الإعجاز إنجازاً.
 
رحل أبو العوض قبل 3 سنوات إلى جوار ربه، مدشناً رحلة عطاء طويلة مكللة بالحكايات الحلوة، حيث بدأ مسيرته كنجم لامع مع فريقي الجزيرة والفيصلي، ثم بعد ذلك اقتحم المجال التدريبي فبرع وأبدع وخطف أنظار الإعجاب بفكره الفني الواسع وما يملكه من طموح ودافع.
 
أنيطت به قيادة منتخب الأردن في سنوات الطفرة، وفلحت محاولاته بفضل جده واجتهاده بتحقيق أول إنجاز عربي لكرة القدم الأردنية، حينما عاد بالمنتخب من العاصمة اللبنانية بيروت مطوقاً بذهبية الدورة العربية السابعة عام 1997.
 
وإننا  إذ نستذكر اليوم في بورتريه   هذا المدرب المخلص، فإننا لن نوفيه حقه مهما كتبنا عنه، فهو على امتداد سنوات عمره عاصر تاريخ الكرة الأردنية بل وكتبه بخط يديه.
 
لقد أثبت أبو العوض بأن مزمار الحي يطرب، حيث دشن مسيرة الألق برغم الإمكانات المحدودة والمتواضعة في ذلك الزمن مجسداً حكاية انتماء وطنية فريدة، فهو لم ييأس برغم الطفر، فراتبه الذي لم يكن يتعدى ال 300 دينار أردني وهو يقود منتخب الأردن كان آخر همه، فالمادة لم تشغله أبداً فهو مجبول من طينة الأوفياء الانقياء، وهاجسه الأول كان إسعاد الجماهير المتعطشة بإنجاز يروي الظمأ.
 
ولن ينسى الأردنيون بصمة أبو العوض  في يوم الفرح الأكبر المتمثل بإحراز ذهبية بيروت، حيث عمت الإحتفالات أرجاء المملكة الأردنية الهاشمية في مشهد ما يزال راسخاً في الأذهان ويومها حرص الملك الحسين بن طلال -رحمه الله- على استقبال الأبطال في أرض المطار، ليحظى النشامى بإستقبال لم يخطر ببال احدهم.

وعُرف عن أبو العوض عشقه للتحدي، فمن لاشيء صنع كل شيء، حيث أدرك بعد انجاز بيروت بأن الوصول للقمة صعب لكن المحافظة على القمة هو الأصعب، لينجح مجدداً في قيادة منتخب الأردن ليكون أول منتخب عربي يحتفظ بلقب الدورة العربية وتحديداً في دورة الوفاء، دورة الحسين التي استضافتها العاصمة عمان في العالم 1999 ويومها حرص الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على تتويج النشامى بالميدالية الذهبية وسط فرحة أردنية لن تنسى.
 
وقبل هذان الإنجازان العربيان، كان أبو العوض يقود منتخب النشامى في العام 1992 للظفر بلقب بطولة الأردن الدولية التي حظيت آنذاك بمشاركة منتخبات قوية.
 
وعانى أبو العوض خلال سنوات عمره الأخيرة من المرض اللعين الذي جعله حبيس الفراش، قبل أن ينتقل إلى جوار ربه في نهاية العام 2012، ويومها سكن الحزن قلب الوطن، كيف لا وأبو العوض كان صانع الفرح في سنوات الطفرة، وروى القلوب العطشى بإنجازات تاريخية ما تزال ترويها الأجيال جيلاً بعد جيل.
 
ولقد نعى الأمير علي بن الحسين رئيس الإتحاد الأردني حينها أبو العوض الذي فارق الحياة عن عمر يناهر ال (74) عاماً، حيث قال في رسالة النعي: "أشعر بحزن عميق على رحيل المدرب محمد عوض، هو فارس من فرسان كرة القدم ورمز من رموزها ، ولهذا ستبقى إنجازات أبو العوض وتضحياته في ذاكرة الكرة الأردنية"، ويومها قام الأمير علي بتوجيه الإتحاد الأردني لإعداد حفل تأبين لهذه الجوهرة الأردنية اللامعة".
 
ويعتبر أبو العوض أحد أهم نجوم كرة القدم الأردنية، حيث يعتبر صاحب أول هدف في استاد عمان الدولي الذي افتتح عام 1968 في مباراة جمعت الأردن ومصر.
 
وبدأ أبو العوض مسيرته الكروية في العام 1954 مع فريقي الجزيرة ثم انتقل للفيصلي ثم لعب للمنتخب الأردني، وكان أول لاعب أردني تقام له مباراة اعتزال تقديراً لمشواره اللامع.
 
وأبو العوض يعتبر أيضاً أول مدرب أردني يخوض تجربة تدريب احترافية حيث تولى تدريب فريق البسيتين البحريني، ولذلك كله فإن رحلة المرحوم أبو العوض مع كرة القدم الأردنية كانت استئنائية في كل شيء.
 
رحل أبو العوض، لكن ذكراه العطرة لا تزال تفوح في كل مكان، فهو الوفي في زمن الوفاء، أعطى لكرة القدم الأردنية دون أن ينتظر يوماً مقابل، فعشقه لكرة القدم تجاوز الحدود، فهي محبوبته التي أخلص لها حتى الثمالة.