والعطاء بدافع الحب، أكبر بكثير من العطاء بدافع الواجب، وذلك ما رأيناه يتجسد بالنادي الفيصلي، وكان بمثابة السر الحقيقي وراء قلبه لكل الموازين، وحسمه للقب الدوري للمرة 34.

الحب، الدافع الخفي لاستنهاض الهمة، وتأجيج الحماس والاندفاع، ومضاعفة التصميم لكسب الرهان ، وبغير الحب، لا شيء يتحقق، وخاصة إذا ما كانت اللعبة جماعية.

ولو عدنا لبدايات مرحلة الذهاب، فقد كانت المعطيات تشير بوضوح إلى أن الفيصلي سيواصل خصامه مع لقب الدوري لموسم جديد، حتى جماهيره كانت متشائمة، بعدما بددت النتائج ورداءة الأداء، كل ما تبقى لديها من تفاؤل .

ولنتأمل أحد أهم فصول الحكاية، ففي أول سبع مباريات في الدوري، ماذا فعل الفيصلي؟، فاز في أول مباراة على شباب العقبة "3-1"، ثم سقط لأربع مرات متتالية بفخ التعادلات ، وما زاد الطين بلة، خسارته القاسية في الجولة السابعة أمام شباب الأردن "1-4".

استنزف الفيصلي في المباريات السبع الأولى "11" نقطة، لكن الخسارة أمام شباب الأردن "1-4" ، رسمت صورة لصحوة أولية للفريق.

بعد الخسارة أمام شباب الأردن، شعر اللاعبون بحراجة موقفهم، وخافوا على نجوميتهم من الخفوت، بعدما طالتهم انتقادات جماهيرهم.

وعاد الفريق فعلاً لسكة الانتصارات، إلا أن مجلس الإدارة لم يكن مطمئناً لأداء الفريق، فالأداء لم يُعطِ أي مؤشرات تستدعي التفاؤل، أو توحي بأنه يتسلح بملامح شخصية البطل، فقد كان مهدداً وقياساً للأداء، بالتعثر في أي مباراة، وأمام أي فريق.

تسلحت إدارة الفيصلي بالصبر والحكمة، ولم تتسرع في اتخاذ القرار بما يخص المدرب التونسي طارق جرايا، لعل وعسى تتحسن جودة الأداء وسعياً للمحافظة على الاستقرار الفني.
 

استنفذت الإدارة ما تبقى من صبر، ولا سيما بعد الفوز الصعب الذي تحقق على الرمثا في الجولة 14، ولأن الانتصارات الصعبة كانت تثير القلق، والمثل الشعبي يقول "ليس كل مرة تسلم الجرة".، كان لا بد من اقالة جرايا.

استقطبت إدارة الفيصلي المدرب راتب العوضات، حيث وجدت فيه ضالتها، فهو يتمتع بشخصية قيادية، ويعشق التحدي، ويعرف كيف يزرع في نفوس اللاعبين الحب ويدب العزيمة في القلوب، ويستخرج أقصى طاقاتهم داخل أرضية الملعب، فلم تتردد بمنحه كل الثقة.

تسلم العوضات القيادة الفنية وهو أحد تلاميذ المدرب الراحل مظهر السعيد الذي سطّر الفيصلي بعهده الكم الأكبر من البطولات، فكان يسير على ذات نهج معلمه في التعامل مع اللاعبين وتحفيزهم، وفي القراءة الفنية للمباريات، فجاءت الانتصارات الواثقة متتالية، كنتاج حقيقي للأداء المميز والروح القتالية ، لينجح الفريق في استعادة ثقة الجماهير بقدراته، وأصبحت شخصية البطل تزهر شيئاً فشيئاً.

بين مدرب ونقصد هنا جرايا، لا يرد السلام على لاعبيه عند دخول التدريب، وهذا ما كشفه اللاعب أحمد سريوة في حوار سابق وصريح  ، وبين مدرب -ونقصد هنا العوضات - الذي عرف كيف يزرع الحب في منظومة الفريق بالتواضع والاحترام، ، كانت بوصلة الطموح تغير اتجاهها نحو اللقب 34، لقب الراحل الشيخ سلطان العدوان.

هذا كل ما جاء في الحكاية، فاللاعب عندما يحاط بالحب والتقدير من مدربه، ويستنشق عبير الروح الأسرية التي تفوح بين منظومة الفريق ككل، فإن عطاءه بدافع الحب سيكون متدفقاً إلى أبعد الحدود.

وبالمناسبة، الفيصلي طبع القبلة رقم "34" على كأس الدوري، ولو جمعنا كافة ألقاب الفرق في هذه البطولة، فإنها تصل مجتمعة إلى "33" لقباً.

وأخيراً، من حق جماهير الفيصلي أن تتمجد بفريقها الرائع بعدما قلب كل الموازين، وتصدح مبتهجة:" نادينا نادي عظيم .. نادي الفيصلي الزعيم".